Latest News

العولمة وتأثيراتها على الترجمة

تعتبر الترجمة أحد أسباب العولمة وتعتبر العولمة أحد أسباب النمو الهائل لصناعة الترجمة. عندما بدأ العالم يعيش ثمار العولمة من انفتاح اقتصادي وثقافي وعلمي بين الشعوب كانت الترجمة عصب هذا الانفتاح وكانت في نفس الوقت تتأثر بهذه التطورات.

فما هي العولمة؟ وما دور الترجمة فيها؟ ثم ما هي آثار هذه العولمة على صناعة الترجمة؟

إن تعريف العولمة بأنها سهولة وسرعة الانتقال للبشر وسهولة التواصل بين البشر، فيه تبسيط كبير لمفهوم العولمة، العولمة تتضمن مفاهيم اقتصادية وسياسية وعلمية وفكرية تحتوي في طياتها على تشعبات كثيرة من نشر الفكر وعالميته وعالمية الاقتصاد وعالمية العلم في حد ذاته، لذا كي نفهم معنى العولمة بشكل سليم يجب علينا النظر إليها من زاويتين مختلفتين. في المقام الأول كيف نشأت العولمة وفي المقام الثاني ما هي نتائجها.

لقد نشأت العولمة كنتيجة للتطورات الصناعية والتقنية التي حدثت في العقود الأخيرة فكان لتطور وسائل النقل دور مهم في سهولة انتقال البشر وسهولة انتقال البضائع بين دول العالم مما سرَّع من وتيرة النمو الاقتصادي على مستوى العالم والنمو الاقتصادي يفرض على الدول التواصل من خلال الاتفاقيات وعقد الصفقات وترافق ذلك مع تطور وسائل الاتصال فقد اصبح التواصل مع شخص يعيش في قارة أخرى لا يستغرق أكثر من بضع ثواني و بالصوت والصورة أيضاً، وهكذا نجد أن العولمة نشأت نتيجة لهذه التطورات.

أما من حيث النتائج فكان لهذه التطورات أثاراً كبيرة جداً على معظم جوانب النشاط الإنساني، فقد أثرت العولمة على الاقتصاد والاقتصاد تتبعه السياسة من فرض مناطق نفوذ واتفاقيات وتغييرات على كل المستويات السياسية، ويتبع السياسة الثقافة فقد أثرت العولمة على كل شعوب العالم ثقافياً فقد أصبحت الشعوب أكثر اطلاعاً على الثقافات الأخرى وأكثر احتكاكاً ببقية الثقافات كنتيجة لسهولة التنقل وسهولة التواصل.

أما عن الدور الترجمة في نشوء وتطور العولمة يمكننا القول بأن الترجمة من أساسيات العولمة فلا يمكن تصور انتقال الناس من بلد إلى بلد بدون الحاجة إلى الترجمة ولا يمكن تصور عقد اتفاقات تجارية واقتصادية بدون الترجمة، وينسحب على ذلك جميع تأثيرات العولمة من ظهور الشركات متعددة الجنسيات والقنوات الموجهة الناطقة بلغة كل بلد تظهر فيه والانتشار الفكري والثقافي لبلدان داخل بلدان أخرى. فقد أصبحت القصص والروايات والأفلام والمسلسلات مثلاً يمكن نشرها وعرضها في بلدان عديدة في نفس الوقت الذي تنشر وتعرض فيه في بلدها الأصلي وذلك بفضل الترجمة التي استفادت أيضاً من العولمة، ومن هذا المثال البسيط نجد أن الترجمة هي الركيزة الاساسية للعولمة وهي الآلية التي مكنت العولمة من هذا الانتشار في كل ركن من أركان العالم.

وبالانتقال إلى آثار العولمة على الترجمة يمكن القول بلا شك أن العولمة أدت إلى نمو صناعة الترجمة من عدة نواحي كما ساهمت العولمة في تغيير طبيعة عمل الترجمة وأحد هذه التغيرات مثلاً هي أن التخصص في المواضيع أصبح أكثر أهمية بكثير. ومع وجود شركات تعمل على نطاق دولي، تتطلب العديد من الوثائق دقة بالغة وتنطوي على مخاطر كبيرة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الخطأ في ترجمة تقرير طبي إلى وفاة شخص ما، وقد يؤدي تقرير مالي خاطئ إلى خسارة الآلاف أو حتى ملايين الدولارات للجهات المعنية.

ومع ازدياد الطلب على الترجمات ونمو التقنية، اخترع المطورون الترجمة الآلية ، مثل مترجم جوجل، والتي تستخدم عادة لمعرفة جوهر نص أو فهم رسالة بسيطة، ومع ذلك، فإن الوكالات والمترجمين غير الراغبين في التنازل عن الجودة و الذين يتعاقدون مع العملاء الذين يحتاجون إلى ترجمة دقيقة ومتخصصة ومكتوبة بشكل جيد، لا يميلون إلى استخدام تقنية الترجمة الآلية. وهكذا، نتيجة للعولمة والتقنية، فإن المترجمين المهرة هم من ذوي التخصصات الدقيقة.

كما أدت العولمة إلى زيادة في عدد المترجمين المتاحين. وأصبح بإمكان العملاء ووكالات الترجمة الآن الاستعانة بمصادر خارجية في وثائقهم من جميع أنحاء العالم. وبينما كان المترجمين معتادين على العمل في المكتب، يمكن الآن تقريبا القيام بكل عمل الترجمة من وراء الحاسوب في المنزل. وهذا يعني أنه يمكن التعاقد على أعمال الترجمة من أي مكان في العالم، وهذا يعني أيضاً مزيداً من النمو والتنافسية في صناعة الترجمة.

 

وفي النهاية نجد أن هناك استفادة متبادلة بين العولمة والترجمة. فأي شيء ينتج لكي ينشر في أجزاء أخرى من العالم يحقق هدفه عن طريق الترجمة. ولأن آثار العولمة على مجال الترجمة كانت عميقة، وزاد الطلب على خدمات الترجمة التحريرية والترجمة الشفوية نتيجة للتغيرات العالمية، فيجب إعداد المؤسسات التي تقدم التدريب في مجال الترجمة، أي الجامعات، من أجل تلبية هذا الطلب، فهي تلعب دورا رئيسيا في هذه المرحلة، ولها بعض المسؤوليات التي يتعين عليها القيام بها.