Latest News

كيف يمكن للترجمة أن تؤثر في السياسة

إن العلاقة بين الترجمة والسياسة علاقة قديمة قد تكون بدأت مع نشوء المجتمعات الانسانية و حاجة هذه المجتمعات للاتصال مع بعضها البعض على المستوى السياسي، وهو ما سنتكلم عنه في مقالتنا هذه مارين على الأفكار التالية :

١ - أهمية الترجمة للسياسة والسياسيين

٢ - متطلبات الترجمة السياسية

٣ - بعض أخطاء الترجمة التي أثرت على السياسة

٤ - خاتمة

١ - أهمية الترجمة للسياسة والسياسيين

إن الوجود التاريخي للترجمة في المعاملات و الاتفاقات السياسية يدل بشكل قاطع على حاجة السياسيين إلى المترجمين و تنشأ هذه الحاجة لعدة أسباب منها

- عدم قدرة معظم السياسيين على التحدث باللغة المترجم إليها حيث يتحدث العالم مئات اللغات بينما السياسيين يمكن أن يتحدثوا لغة واحدة أو اثنتين في الغالب.

- هنالك حاجة ماسة للترجمة الدقيقة جداً للنصوص السياسية و الاتفاقات لأن اختلافات بسيطة في الترجمة قد ينتج عنها سوء أو مشاكل سياسية ضخمة كما سنقرأ في الفقرة التالية عن بعض الأخطاء في الترجمة السياسية وما نتج عنها من مشاكل سياسية.

- قد تحتاج المفاوضات المباشرة و اللقاءات السياسية و الاجتماعات بين السياسيين إلى الترجمة الفورية و يجب أن تكون هذه الترجمة بمنتهى الدقة و بمنتهى السرعة و هذا مالا يمكن لبعض السياسيين القيام به.

- قد تكون الاجتماعات و اللقاءات السياسية بين أطراف متعددة ما ينتج عنه الحاجة إلى معرفة لغات هذه الأطراف و هو أيضاً لا يتوفر لمعظم السياسيين و يترتب عليه وجود مترجمين متعددين واحد منهم لكل لغة من اللغات التي يتكلم بها أطراف الاجتماع أو اللقاء.

و لا شك أن هناك أسباباً أخرى تدعو إلى الترجمة في الساحة السياسية قد نكون ذكرنا أهمها و تركنا الباقي لتقدير القارئ.

٢ - متطلبات الترجمة السياسية

عندما نتكلم عن الترجمة المستخدمة في الساحة السياسية فإننا نتكلم عن نوع خاص من أنواع الترجمة لها متطلباتها الخاصة فهي تختلف عن الترجمات الأخرى مثل الترجمة الأدبية أو القانونية أو التقنية، و التي قد يطلق عليها أحيانا الترجمة الدبلوماسية و من هنا نجد ان هذه اللغة لا تتعلق فقط بقدرة المترجم المطلقة على ترجمة لغة المتكلم إلى لغة المتكلم بل تحتاج أيضا إلى أن يمتلك المترجم مهارات أخرى مثل

- الموهبة الدبلوماسية للمترجم في انتقاء للكلمة الأفضل التي تعبر عن المعنى المطلوب.

- الاطلاع على الوضع السياسي بين البلدين و العلاقة التي تربطهما فقد يختلف انتقاء الكلمات في حالات العلاقة الودية عنه في حالات التنافر والعداء.

- القدرة التفاوضية و الفهم لأصول المفاوضات و بروتوكولاتها لكي لا يقع المترجم في أخطاء قد تؤثر على سير العملية التي يترجم لها.

- سرعة البديهة والفهم السريع لمقاصد وغايات السياسيين عندما يتكلمون مما يساعده في انتقاء الكلمات المناسبة لنقل المعنى المطلوب إلى الطرف الآخر بمنتهى الدقة و الأمانة. 

- المعرفة التامة باللغة المتكلم و لغة المستمع و مصطلحاتها و اختصاراتها التي قد يستخدمها السياسيون و يجب على المترجم معرفة ما يقابلها في اللغة الأخرى.

وهكذا نجد أن المترجم في الساحة السياسية يجب أن يمتلك مواهب و مهارات أكثر من كونه مجرد مترجم.

٣ - بعض أخطاء الترجمة التي أثرت على السياسة

يمكن تقسيم أثر الأخطاء المرتكبة في السياسية إلى ثلاثة أنواع منها البسيط الذي لم يكن له تأثير على سير الأمور و منها المتوسط الذي أمكن تلافيه مباشرة أو بعد فترة بسيطة ومنها ماهو كارثي و لانزال نعاني من آثاره حتى اليوم وهنا سنذكر بعض أشهر أخطاء الترجمة و تأثيرها على مجريات الأمور

- ربما يكون أحد أشهر الأمثلة في أخطاء الترجمة هو الخطأ المرتكب في ترجمة قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ الذي صدر في عام ١٩٦٧ بشأن انسحاب اسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها حيث يقول القرار في اللغة الفرنسية " انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية" بينما النص الإنكليزي يقول " انسحاب اسرائيل من أراضٍ عربية" وهو ما تذرعت به اسرائيل للانسحاب من "بعض" الأراضي العربية وهو من الأخطاء التي لا يزال أثرها حتى الآن.

- الخطأ المرتكب في ترجمة خطاب رئيس مصر السابق محمد مرسي في الخطاب الذي ألقاه في إيران حيث قال " إننا نتضامن مع الشعب السوري لمواجهة الظلم و الطغيان " و قال " إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية و الكرامة" غير أن الترجمة الفارسية استبدلت كلمة "السوري" في الجملتين ب "البحريني " و هو من الأخطاء التي قد تكون مقصودة و لكن تم تلافي هذا الخطأ في وسائل الإعلام خلال فترة قصيرة.

- و من الأخطاء الكارثية في الترجمة أيضاً ترجمة رد رئيس الوزراء الياباني على دعوة دول الحلفاء لاستسلام اليابان حيث كان رد رئيس وزراء اليابان بمعنى لا تعليق بينما تمت ترجمته إلى اللغة الإنكليزية بمعنى ازدري و اتجاهل هذه الدعوة ما أدى بعد عشرة أيام من هذا الرد إلى تدمير مدينة ناغازاكي بالسلاح النووي.

- و هناك الخطأ الذي أدى إلى توتر في المفاوضات بين الولايات المتحدة وفرنسا بسبب خطأ في ترجمة رسالة إلى البيت الأبيض حيث ورد في بدايتها مامعناه باللغة الفرنسية يسأل بينما تمت ترجمته باللغة الإنجليزية إلى كلمة يطلب والذي اعتبره الرئيس الأمريكي وقتها قائمة مطالب و لكن تم تصحيح هذا الخطأ لاحقاً و استأنفت المفاوضات.

 

و في الختام نستطيع القول إن للترجمة تأثيرا مباشراً على السياسة و يجب على المترجمين الذين يقومون بهذا النوع من الترجمة التحلي بالكثير من المواهب و الكفاءات.