Latest News

هل تعلم ما هي النقحرة؟

 

دعنا نذهب في رحلة قصيرة وممتعة للبحث في هذه الكلمة الغريبة، النقحرة هي كلمة ليس لها جذر في اللغة العربية فلو بحثت عنها في أي قاموس من قواميس اللغة العربية لن تجد معناها الصحيح، والسبب في ذلك أن هذه الكلمة هي نتيجة نحتٍ من كلمتين هما "النقل" و"الحرفي"، وهي كلمة تستخدم للتعبيرعن عملية نقل الكلمات من لغة ما إلى اللغة العربية كما تلفظ ولكنها بحروف عربية، ولهذه العملية تسميات أخرى مثل النقصوة أي النقل الصوتي أو الحورفة وغيرها من المسميات ولكن النتيجة واحدة وهي كتابة لفظ كلمة غير عربية بحروف عربية.

والأمثلة كثيرة عن هذه العملية مثل المصطلحات العلمية الحديثة وأسماء الأجهزة الحديثة والماركات العالمية وغيرها كثير. ونطالع في مقالنا هذا عن بدايات النقحرة، وعن أسباب ودواعي استخدام النقحرة، والأساليب المتبعة للنقحرة.

 

بالنسبة لبدايات النقحرة فهي قديمة جداً ولا شك أنها بدأت مع بداية تلاقي الحضارات واحتكاكها بعضها ببعض وعند العرب بدأت مع بداية انتشار العرب خارج جزيرتهم واتصالهم بالحضارات الأخرى مثل اليونانية والفارسية والهندية وغيرها وهي ضرورة لابد منها فكيف يتسنى لمن أراد الإطلاع على حضارة الغير وفهمها ونقلها أن يتعامل مع الأسماء مثلاً فنجد في كتابات العرب ذكراً لأرسطو وأفلاطون وهي نقحرة لأسماء علماء من اليونان ولكن لم يكتب أحد في هذه القضية تحديداً ولم يوضع لها قواعد فكانت تُترك لإسلوب المترجم وما يراه مناسباً من طريقة لفظ الكلمة وما يقابلها من الحروف العربية، وأول من أشار إلى هذه القضية الفيلسوف ابن خلدون حيث كتب مقدمة في كيفية وضع الحروف التي ليست من لغة العرب، لأنه قد يكون في لغة ما حروفٌ ليست موجودة في لغة أخرى. ولم يزيد الموضوع عن ذلك حتى بدايات عصر النهضة في مطلع القرن العشرين حيث أثار القضية من جديد العلامة اللغوي إبراهيم اليازجي ثم تلاه الكثير من علماء اللغة وصولاً إلى أيامنا هذه.

 

أما عن أهمية النقحرة وأسباب ودواعي استخدامها فعلى الرغم من أن الترجمة تُعنى بشكل أساسي بنقل المعنى من لغةٍ إلى أخرى إلّا أنه في بعض الأحيان تكون تقنية النقل الحرفي ضرورية لكمال الترجمة. ففي كثير من المجالات قد لا يجد المترجم كلمات تكافئ الكلمة التي يرغب بترجمتها وقد يكون لفظ الكلمة انتشر في اللغة العربية وسيكون الأقرب لفهم القارئ الكلمة كما تلفظ في لغتها الأصلية وليست الكلمة المترجمة. ومن الكلمات التي ليس لها مقابل مثلاً التلفزيون ومن الكلمات التي انتشرت مثلاً الإنترنت سيكون أقرب للقارئ فهم هذه الكلمة من قولنا الشبكة العنكبوتية وهكذا. 

ففي المجال العلمي مثلاً هناك كثير من الكلمات التي يستخدمها المختصون بلفظها غير العربي ولكنها تكتب بحروف عربية مثل الكيمياء والفيزياء وأسماء المقاييس والواحدات مثل المتر والكيلوغرام وغيرها

أما في المجال التسويقي، فقد يلجأ المترجم إلى النقحرة في نقله أسماء العلامات التجارية أو المنتجات، وذلك ليحافظ على النطق الأصلي لها في اللغة المصدر حين ينقلها إلى اللغة الهدف. مثل مكدونالدز و بيبسي وكوكا كولا وأديداس وغيرها الكثير جداً. 

كما للنقحرة أهمية كبيرة في ترجمة الوثائق الرسمية والمستندات، وذلك لحساسية نقل الأسماء بالشكل الصحيح إلى اللغة الهدف. 

وتبرز أهمية النقحرة أيضاً في النصوص التي يغلب عليها الطابع الثقافي كنصوص التراث الشعبي أو النصوص الأدبية التي تكثر فيها أسماء الشخصيات والأماكن الجغرافية، مثل أمريكا وأوربا وتركيا وغيرها، فكلها كلمات ليست عربية ولكنها تُكتب بحروف عربية. 

وللنقحرة أيضاً أهمية في ترجمة النصوص الدينية فمصطلح “الزكاة” على سبيل المثال عادة ما يُكتب بالإنجليزية “Zakat” أو “Zakah” عوضًا عن ترجمته حتى لا يفقد المصطلح معناه ودلالاته الإسلامية أو حتى لا يُخلط بينه وبين مصطلح آخر كالصدقة alms، ويختلف بالتأكيد في الإسلام مفهوم الزكاة عن الصدقة، فالزكاة فريضة معلومة بنسبة معلومة وتُؤدى في أوقات معلومة وليست صدقة تُؤدى في أي وقت وبأي مقدار.

 

وقد كان المترجمين واللغويين يتبعون أساليب مختلفة للحصول على الكلمة بعد نقحرتها كلٌ بما يراه مناسباً أما هذه الأيام فقد تعددت الأنظمة الواضعة لقواعد النقحرة واختلفت الأساليب ولذلك ظهر أكثر من نظام، ولا يوجد اتفاق موحد على كيفية تمثيل بعض الحروف العربية (مثل: ع، غ، ص، ط، ظ، ش، ح، خ، ذ، ت) بالحروف اللاتينية (كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والهولندية وغيرها)،  ولكن ثمة إجماع أو شبه إجماع على تمثيل باقي الحروف، ومن هذه النظم:

- نظام المدرسة الإسبانية للمستعربين، وهو نظام قديم ظهر في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، قام عليه فريق من المستشرقين الإسبان بقيادة المؤرخ (Jose Antonio Conde 1766- 1820 ) وذلك لوضع معايير موحدة للتعامل مع الأسماء العربية، حيث تمثل الأندلس ثمانية قرون من تاريخ إسبانيا الحالية.

- نظام الأبجديَّة الصوتيَّة الدوليَّة وهو نظام أسسته الجمعية الصوتية الدولية تحت إشراف اللغوي الفرنسي  Paul Passy( 1859-1940)    مستعينا بمجموعة من علماء الصوتيات معظمهم من الإنجليز والفرنسيين، ويعتمد في الأساس على الحروف الرومانية المعروفة، وإن كانت فيه رموز غريبة جدًّا من اليونانية وغيرها، وما يزال هذا النظام يتعرَّض لتعديلات شتى. 

- نظام النقل التقني العربي القياسي وهو نظام قامت عليه المؤسسات العسكرية الغربية لتحويل الرسائل العربية إلى رموز تتفق مع شفرة مورس التي بقيت أهم وسائل الاتصال لفترة طويلة، ولكنها انتهت الآن فانقرض معها الاعتماد على ذلك النظام.

- قواعد المنظمة الدولية للمعايير الأيزو حيث اهتمت بوضع مواصفات قياسية

لعملية نقل الحروف في إصدارات متتابعة، كان أولها ISO/R 233 ثم عُدِّل عدة مرات، ثمَّ صدرت منه نسخة أخيرة تعرف ب ISO.

- النظام الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2017 لتوحيد الأسماء الجغرافية، وذلك بناء على النظام الذي اعتمده خبراء اللغة العربية في المؤتمر الذي انعقد في بيروت عام 2007.

- نظام مكتبة الكونغرس في عام 1997م. وهذا الأخير له مزايا متعددة، فمنها أنه يضع لكل حرف عربي ما يقابله من الحروف اللاتينية، ولا يهمل حرفاً واحداً، أما الحركات فلها حروف معينة لا تتغير، وكذلك المد بالألف، أو الواو أو الياء وهذه الطريقة عالجت أيضاً التضعيف والتنوين وتشابه الحروف وألغت الحروف الزائدة التي توضع عادة دون أي داع لها.

وفي نهاية مقالنا نجد أن النقحرة حالة نعيشها في حياتنا اليومية فقد تسللت إلينا المفردات الجديدة من كل مكان وزادت الوتيرة كثيراً مع التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل الحديثة، وأصبح لزاماً على كل علماء اللغة والمهتمين توحيد جهودهم و وضع القواعد والأسس المناسبة لتدارك النقص ومنع الاختلاف.